للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدر حسنة جدًا؛ لأن التماس ليلة القدر يستدعي محافظةً زائدة ومجاهدةً تامة، ومع ذلك فقد يوافقها أو لا، وكذلك المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد إعلاء كلمة الله، وقد يحصل له ذلك أو لا، فتناسبا في أن في كل منهما مجاهدة، وفي أن كلّا منهما قد يحصل المقصود الأصلي لصاحبه أو لا، فالقائم لالتماس ليلة القدر مأجور، فإن وافقها كان أعظم أجرًا، والمجاهد لالتماس الشهادة مأجور، فإن وافقها كان أعظم أجرًا، انتهى.

ويدخل في ذلك الأصل عندي "باب احتساب الآثار" بين "باب فضل التهجير إلى الظهر" و"باب فضل صلاة العشاء في الجماعة"، والأوجه عندي أنه - رحمه الله - ذكر "باب الاحتساب" بعد "باب فضل التهجير" تنبيهًا على أنه لا ينبغي له تطويل الأقدام والسعي لشدة الحر، فإنه ينافي الوقار والسكون في المشي إلى الصلاة، بل ينبغي له أن يمشي بتقارب الأقدام على هيئة السكون والوقار المطلوبين، المأمور بهما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا" الحديث، أخرجه البخاري (١) في "باب ما أدركتم فصلُّوا"، وغير ذلك من الروايات العديدة المختلفة في كون الوقار والسكون مأمورين في المشي إلى الصلاة.

وقد ترجم أبو داود "باب الهدي في المشي إلى الصلاة"، وأخرج فيه عن كعب بن عجرة مرفوعًا النهي عن التشبيك لمن خرج عامدًا إلى الصلاة (٢)، وعن رجل من الأنصار قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله - عز وجل - له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حَطّ الله - عز وجل - عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد. . ." (٣) الحديث، فترجم الإمام البخاري بـ "باب الاحتساب" تنبيهًا على تقارب الخطا الموجب لكثرة الأجر.


(١) انظر: "صحيح البخاري" (ح: ٦٣٦).
(٢) انظر: "سنن أبي داود" (ح: ٥٦٢).
(٣) أخرجه أبو داود (ح: ٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>