للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ومن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه. . .) إلخ، يعني: أن اسم صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحق لمن صحبه أقلّ ما يطلق عليه اسم صحبة لغة، وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة، ويطلق أيضًا على من رآه رؤية ولو على بعد، وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح، إلا أنه هل يشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يكتفي بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من صنَّف في الصحابة يدل على الثاني، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد قبل وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في الصحيح: أن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرايني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقًا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين، ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مما يلغز به فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.

ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله بن سرجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم يكن له صحبة، أخرجه أحمد، وكذا روي عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة فصاعدًا، أو غزا معه غزوة فصاعدًا، والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في حجة الوداع، ومن اشترط الصحبة العرفية أخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب، ومنهم من اشترط في ذلك أن يكون حين اجتماعه به بالغًا، وهو مردود أيضًا؛ لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من أحداث الصحابة، والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين.

<<  <  ج: ص:  >  >>