للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول البخاري: "من المسلمين" قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار، فأما من أسلم بعد موته منهم فإن كان قوله: "من المسلمين" حالًا خرج من هذه صفته وهو المعتمد، ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنًا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الإسلام فإنه ليس صحابيًا اتفاقًا، فينبغي أن يزاد فيه "ومات على ذلك"، مثل ربيعة ابن أمية بن خلف الجمحي، وقد وقع حديثه في "مسند أحمد"، وإخراج حديث مثل هذا مشكل، ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده، فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانيًا بعد عوده فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عدِّ الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك.

وهل يختص جميع ذلك ببني آدم أو يعم غيرهم من العقلاء؟ محل نظر، أما الجن فالراجح دخولهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إليهم قطعًا، وهم مكلفون، فيهم العصاة والطائعون، فمن عرف اسمه منهم لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة، وإن كان ابن الأثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في ذلك إلى حجة.

وأما الملائكة فيتوقف عدُّهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم، فإن فيه خلافًا بين الأصوليين، حتى نقل بعضهم الإجماع على ثبوته، وعكس بعضهم، وهذا كله فيمن رآه، وهو في قيد الحياة الدنيوية، وأما من رآه بعد موته وقبل دفنه فالراجح أنه ليس بصحابي، وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة، وكذلك المراد بهذه الرؤية من اتفقت له وهو يقظان، أما من رآه في المنام وإن كان قد رآه حقًّا فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية لا الأحكام الدنيوية، فلا يعد صحابيًا، ولا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة، والله تعالى أعلم باختصار يسير (١).


(١) انظر: "فتح الباري" (٧/ ٤، ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>