للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزهري أنه قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أُبيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، إلى أن قال: فلما كانت وقعة بدر كتب كفار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم، فاجتمع بنوا النضير على الغدر، فأرسلوا إليه - صلى الله عليه وسلم -: اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، إلى آخر القصة، قال الحافظ: هذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق أن سبب غزوة بني النضير دية الرجلين، لكن وافقه جل أهل المغازي، انتهى مختصرًا (١).

فمن قال بالسبب الأول ذكرها بعد غزوة أُحد كما هو قول الجمهور؛ لأن قصة بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق، ومن قال بالسبب الثاني ذكرها بعد بدر، ومنهم عروة وإليه ميل البخاري، لكن يشكل عليه أن الإمام البخاري ذكر بعد قوله: حديث بني النضير قوله: ومخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في دية الرجلين، وهذا الخروج الذي كان في قصة الدية كان بعد بئر معونة باتفاق المحدثين والمؤرخين، فكيف ذكره ههنا بعد بدر اللَّهم إلا أن يقال: إنه ذكره لكونه معروفًا فيما بين المؤرخين في سبب تلك الغزوة لا لأنه اختار هذا القول، ومن دأب الإمام البخاري أنه قد يذكر قولًا لكونه معروفًا بين العلماء مع أنه ليس مختارًا عنده، ويظهر هذا لمن أمعن النظر في كتابه، والله تعالى أعلم، والبسط في هامش "اللامع" (٢).

قوله: (وأجلى يهود المدينة: بني قينقاع) وكان أول من أخرج من المدينة، ذكر الواقدي: أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين، يعني: بعد بدر بشهر، ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: "لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشًا يوم بدر،


(١) "فتح الباري" (٧/ ٣٣١، ٣٣٢).
(٢) "لامع الدراري" (٨/ ٢٧٦ - ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>