وقال أيضًا: أعلم أن الغيبة حرام بنص الكتاب العزيز، وشبّه المغتاب بآكل لحم أخيه ميتًا إذ هو أقبح من الأجنبي ومن الحي، فكما يحرم لحمه يحرم عرضه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" رواه مسلم وغيره، ولا تحل إلا عند الضرورة بقدرها كهذه المواضع (أي: التي ذكرت في "الدر المختار" كما سيأتي).
وفي "تنبيه الغافلين" للفقيه أبي الليث: الغيبة على أربعة أوجه: في وجه هي كفر بأن قيل له: لا تغتب، فيقول: ليس هذا غيبة لأني صادق فيه، فقد استحلّ ما حرم بالأدلة القطعية وهو كفر، إلى أن قال: وفي وجه هي مباح وهو أن يغتاب معلنًا بفسقه أو صاحب بدعة، وإن اغتاب الفاسق ليحذره الناس يثاب عليه؛ لأنه من النهي عن المنكر، انتهى.
أقول: والإباحة لا تنافي الوجوب في بعض المواضع الآتية، انتهى.
وفي "الدر المختار": وكذا لا إثم عليه لو ذكر مساوئ أخيه على وجه الاهتمام فلا يكون غيبة، إنما الغيبة أن يذكر على وجه الغضب يريد السبّ، انتهى.
قال ابن عابدين: قوله: لا يكون غيبة؛ لأنه لو بلغه لا يكرهه؛ لأنه مهتم له متحزن ومتحسر عليه، لكن بشرط أن يكون صادقًا في اهتمامه وإلا كان مغتابًا منافقًا مرائيًا مزكيًّا لنفسه؛ لأنه شتم أخاه المسلم وأظهر خلاف ما أخفى، وأشعر الناس أنه يكره هذا الأمر لنفسه ولغيره، وأنه من أهل الصلاح حيث لم يأت بصريح الغيبة، وإنما أتى بها في معرض الاهتمام، فقد جمع أنواعًا من القبائح، نسأل الله تعالى العصمة، انتهى.
وقال صاحب "الفيض"(١) بعد تعريف الغيبة: ذكر الشامي فيها المستثنيات، وملخصها يرجع عندي إلى كلمة واحدة وهي أن الغيبة هي التي كانت لتجريد الصدر والتلذذ بها وجعلها شغلًا، أما إذا كان بصدد ذكر