للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم، فبينا هو عند العقبة إذ لقي رهطًا من الخزرج فقال: "ألا تجلسون أكلِّمكم؟ " قالوا: بلى، فجلسوا فدعاهم إلى الله - عز وجل -، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوا، فلما انصرفوا إلى بلادهم وذكروه لقومهم فشا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى في العام القابل اثنا عشر رجلًا إلى الموسم من الأنصار أحدهم عبادة بن الصامت، فلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة وهي بيعة العقبة الأولى فبايعوا ثم انصرفوا، وخرج في العام القابل الآخر سبعون رجلًا منهم إلى الحج، فواعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة أوسط أيام التشريق، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه العباس لا غير، فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعيًا إلى أمر الله مرغِّبًا إلى الإسلام تاليًا للقرآن فأجبناه للإيمان، فقلنا: ابسط يدك نبايعك عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا"، فأخرجنا من كل فرقة نقيبًا، وكان عبادة نقيب بني عوف فبايعوه، هذه هي بيعة العقبة الثانية، انتهى.

قوله: (وحوله عصابة من أصحابه فقال: بايعوني)، قال النووي (١): كان ذلك في أول الأمر في ليلة العقبة قبل الهجرة من مكة، وقبل فرض الجهاد، انتهى.

وهذا الذي جزم به النووي أن هذه البيعة بيعة العقبة قد جزم به القاضي عياض والقرطبي.

وقال العيني (٢): إن القاضي عياض وجماعة من الأئمة الأجلَّاء قد جزم بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعة الأولى بمنى، ثم استدل على ذلك بأمور ذكرها.

وأما الحافظ ابن حجر فمال إلى أنها بيعة أخرى بعد الفتح، وقال (٣):


(١) "شرح صحيح مسلم" (٧/ ٩).
(٢) "عمدة القاري" (١/ ٢٤٠).
(٣) "فتح الباري" (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>