للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق عندي أن المبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة، وإنما نصُّ (١) ليلة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن حضر من الأنصار: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم" فبايعوه على ذلك، وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه، وسيأتي في هذا الكتاب في كتاب الفتن، وغيره من حديث عبادة أيضًا، ثم أطال في إثبات ذلك، ولخَّص القسطلاني (٢) تعقبَ العيني على الحافظ، ولخَّص في "فيض الباري" (٣) كلام الحافظين فأجاد، فإن كانت هذه البيعة بيعة بعد فتح مكة فالحديث نصٌّ في بيعة السلوك، كما يدل عليه قول الراوي: "وحوله عصابة من أصحابه"؛ لأن المخاطبين حينئذ الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الألفاظ التي وردت في الحديث هي ألفاظ البيعة عن مشايخ السلوك، وما زاد بعضهم من بعض الألفاظ فهو لمصلحة وقتية، كما زاده النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا في بعض المواقع من عدم السؤال وعدم النياحة.

نعم لو كانت هذه البيعة بيعة العقبة فلا حجة فيه على بيعة السلوك؛ لأنها كانت بيعة الإسلام، والأوجه عند هذا العبد الضعيف أنهما بيعتان، إحداهما: بيعة العقبة، والثانية: بيعة السلوك التي يأتي ذكرها في تفسير سورة الممتحنة، واشتركت ألفاظ البيعة في كلتيهما.

وبسط الكلام مولانا النواب صدِّيق حسن خان القنوجي البهوفالي من علماء منكري التقليد، البحثَ في المبايعة في "عون الباري" (٤) فقال: قوله: "فبايعناه على ذلك"، وقد صدرت مبايعات أخرى منها هذه البيعة التي في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة، وأنها وقعت بعد فتح


(١) كذا في الأصل، وفي "الفتح": "كان".
(٢) انظر: "إرشاد الساري" (١/ ١٧١، ١٧٢).
(٣) انظر: "فيض الباري" (١/ ٨٧).
(٤) "عون الباري" (١/ ١٤٢، ١٤٣، ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>