للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدراري"، ومآل كلامهما واحد، إلا أنهما اختلفا في التعبير والسياق، وأجاد كل منهما الكلام على ذلك، ونذكرهما تفهيمًا وتوضيحًا لتغير السياق والسباق، ونكتب أولًا ما أفاده شيخ الهند معرِّبًا لكلامه، ثم بعد ذلك نذكر كلام شيخ المشايخ من "اللامع".

قال شيخ الهند قُدِّس سرُّه: اختلف العلماء في العلاقة بين الإسلام والإيمان وكيفية النسبة بينهما، وبعضهم يرون الترادف والاتحاد، والأكثر يرجِّحون المساواة، وبعضهم يقولون بالعموم والخصوص، والآيات القرآنية والأحاديث أيضًا مختلفة الظواهر، وقد ذكرها المحدثون والمتكلمون، واستدل بهما الفريقان، لذا نقل المؤلف - رحمه الله - للإسلام معنيين: أحدهما: الاستسلام والانقياد الظاهري الذي يظهره صاحبه لطمع مال أو خوف قتل وأسر ونحوه، وهذا يقال له المجاز الشرعي أيضًا، والحقيقة الشرعية، أي: مجموعة الأمور الدينية كلها، فاندفع بذلك اختلاف النصوص، وأيضًا وأصبح خلاف أهل العلم فيه خلافًا لفظيًا، وكذلك الآيات والحديث مثل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية [الحجرات: ١٤]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا" في رواية سعد بن أبي وقاص يظهر منهما المغايرة بين الإيمان والإسلام، وهذا يخالف صراحة مدعى الأبواب السابقة؛ لأن مغايرة الإسلام يستلزم مغايرة الأعمال، فبهذا الباب زالت هذه الشبهة أيضًا.

وتوضيح كلامه قُدِّس سرُّه أن للإسلام إطلاقين: فمرة يطلق مرادفًا للإيمان، وأخرى يطلق بمعنى الاستسلام الظاهر، والأول: هو الإسلام بالحقيقة، وهو المعتبر عند الشرع، والثاني: مثلًا أن يكون مخافة القتل والأسر أو لطمع في الغنيمة، وهو إسلام ظاهرًا، وإن لم يصحبه التصديق لم ينفعه، وهذا محمل ما يتراءى في الظاهر من الاختلافات بين النصوص، ولما كان الظاهر من بعض النصوص مخالفة الإيمان للإسلام، كما يفيد قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد: "أو مسلمًا"، فيؤخذ منه مغايرة الإيمان للأعمال، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>