للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال إسلام، وقد أثبت المصنف فيما تقدم أن الأعمال داخلة في الإيمان، فدفع بهذه الترجمة هذه الشبهة أيضًا بأن الإسلام الذي يغاير الإيمان هو الذي يكون على الظاهر لا ما كان على الحقيقة.

وقال الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (١): اعلم أن للإسلام المعتبر شرعًا لزومًا بالإيمان كما أن للإيمان ملازمة بالإسلام، ولو كان التسليم والانقياد حكمًا لا حقيقةً، وقد سبق بعض بيانه في أول كتاب الإيمان، ولما كان كذلك كان الإسلام والإيمان غير منفك أحدهما عن الآخر ولا متحقق كل منهما دون الثاني، إلا أن الإسلام كما يطلق على هذا المعنى المتلازم للإيمان فكثيرًا ما يطلق أيضًا على الانقياد الظاهري الذي لم يعتبر عند الشرع إلا في حق إجراء أحكام المسلمين على من اتصف به، وذلك لتعذر وقوف الناس على سرائر القلوب وضمائرها فيما بينهم، فلم يكن [بُدٌّ] من نصب علامة لهم يعرفون به المسلم عن غيره، وهذا الإطلاق للإسلام جار في عرف الشريعة، وفي كثير من الآيات والروايات، فبوَّب المؤلف بابًا لذلك إشارةً منه إلى أن الإسلام والإيمان المعتبرين وإن لم يتحقق أحدهما دون الآخر، إلا أنه قد يطلق في الشرع لفظ الإسلام بإطلاق آخر غير ما ذكرناه أولًا، فيشتبه الأمر على الناظر.

وأيضًا ففي كلامه إشارة إلى أن من ذهب منهم إلى المغايرة بينهما، فإنما غرضه التغاير بحسب المفهوم لا المصاديق، فإن المسلم صفة بحسب الظاهر، والمؤمن صفة له بحسب اعتقاده، وإن كانا متلازمين وجودًا، أو قصد بالمغايرة أنهما يتغايران بحسب ذلك الإطلاق الآخر للإسلام الذي هو غير معتبر به شرعًا كما في قوله تعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، فإنهم لم يؤمروا أن ينسبوا إلى أنفسهم ذلك الإسلام الحقيقي المعتبر شرعًا، إذ لو كانوا متصفين به لما صح نفي الإيمان عنهم لِما أنهما متلازمان، بل


(١) "لامع الدراري" (١/ ٥٦٥ - ٥٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>