للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وما قال القاضي عياض من أن الإمام البخاري لم يقل بالقسامة، كذا قال ابن المنيِّر كما سيأتي في كلام الحافظ، وهكذا قال الكرماني (١): أي: أن ميل البخاري إلى عدم الأخذ بالقسامة، إذ قال في ذكر مذاهب الأئمة في المسألة: وأنكر البخاري بالكلية حكمها، وكذا طائفة أخرى كأبي قلابة ونحوه، قالوا: لا حكم لها ولا عمل بها، انتهى.

ومال القسطلاني (٢) في أول "كتاب القسامة" تبعًا للقاضي على الظاهر إلى أن البخاري مال إلى عدم الأخذ بالقسامة، لكن حكى القسطلاني في آخر الباب ما سيأتي من كلام الحافظ الردّ على من قال: إن ميل البخاري إلى عدم الأخذ بحديث القسامة.

قال الحافظ (٣): نبَّه ابن المنيِّر (٤) في الحاشية على النكتة في كون البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي، وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق، فقال: مذهب البخاري تضعيف القسامة؛ فلهذا صدّر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه، وأورد طريق سعيد بن عبيد، وهو جار على القواعد، وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في شيء، ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في "كتاب الموادعة والجزية" فرارًا من أن يذكر ههنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد البخاري، قال: وهذا الإخفاء مع صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم.

قال الحافظ: الذي يظهر لي أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي، بل يوافق الشافعي في أنه لا قود فيها، ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي، بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر، فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى


(١) "شرح الكرماني" (٢٤/ ٢٤).
(٢) "إرشاد الساري" (١٤/ ٣٦٣).
(٣) "فتح الباري" (١٢/ ٢٣٩).
(٤) "المتواري" (ص ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>