قلت: والحافظ ابن القيم قد بسط الكلام على المسألة في "إعلام الموقعين"(١) في فصل مستقل، وفيه: قالت الحنفية والمالكية والشافعية ومتأخرو أصحاب أحمد: إنه لا قصاص في اللطمة والضربة، وإنما فيه التعزير، وحكى بعض المتأخرين في ذلك الإجماع.
ثم رجح الحافظ ابن القيم أن فيه القصاص، وقال: وهو منصوص الإمام أحمد، ومن خالفه في ذلك من أصحابه فقد خرج عن نص مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس والميزان، قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في كتابه "المترجم" له: "باب في القصاص من اللطمة والضربة": حدثني إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد بن حنبل عن القصاص من اللطمة والضربة؟ فقال: عليه القود من اللطمة والضربة، وبه قال أبو داود، وقال إبراهيم الجوزجاني: وبه أقول، ثم ذكر الروايات العديدة في تأييد القصاص، ثم قال: وهذا ظاهر القرآن وهو محض القياس، فعارض المانعون هذا كله بشيء واحد، وقالوا: اللطمة والضربة لا يمكن فيهما المماثلة، والقصاص لا يكون إلا مع المماثلة، ثم ردّ على مسلك الجمهور أشد الردّ، فارجع إليه لو شئت.
وقد ظهر بذلك سخافة ما قال الشرَّاح في شرح ترجمة البخاري هذه من أن ليس كل الكوفيين يرى القصاص في اللطمة فيختص الإيراد بمن يقول منهم إلخ، ولم يدر الشرَّاح أن الحنفية قاطبةً لم يقولوا بالقصاص في اللطمة، والتحقيق أن هذا، أي: القصاص في اللطمة مذهب الإمام أحمد، وخالف فيه الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة.
قوله:(لا تخيروني. . .) إلخ، في هامش المصرية: أي: تخييرًا يوجب نقصًا، أو قال ذلك تواضعًا، أو قبل علمه بأنه أفضل، انتهى.
وهذا آخر "كتاب الديات"، وبراعة الاختتام عندي في قوله:"فإن الناس يصعقون يوم القيامة".