للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنت خبير أن هذا منه تجويز بل تحريض على أخذ بعض الحيل، فلا يمكن أن يقال: الحيل كلها باطلة، والحنفية والشافعية أيضًا لم يقولوا بأن الحيل كلها مباحة، فقد قال الحافظ (١): وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها، فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة، وإن توصّل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة.

ولمن أجازها مطلقًا أو أبطلها مطلقًا أدلة كثيرة، فمن الأول قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} الآية [ص: ٤٤]، وقد عمل به - صلى الله عليه وسلم - في حق الضعيف الذي زنى، وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في "السنن"، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] إلى أن قال: ومن الثاني قصة أصحاب السبت، وحديث "حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلو ثمنها"، وحديث النهي عن النجش، وحديث لعن المحلل والمحلل له، والأصل في اختلاف العلماء في ذلك اختلافهم: هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل.

ثم اختلفوا فمنهم من جعلها تنفذ ظاهرًا وباطنًا في جميع الصور أو في بعضها، ومنهم من قال تنفذ ظاهرًا، لا باطنًا، ومن قال بالثاني أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذي تدل عليه القرائن الحالية، وقد اشتهر القول بالحيل عن الحنفية لكون أبي يوسف صنّف فيها كتابًا، لكن المعروف عنه وعن كثير من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق، انتهى.

وفي "الفيض" (٢): اعلم أن البخاري - رحمه الله - لم يفرّق بين جواز الحيلة ونفاذها، وكل ما كان يرد على القول بالجواز، أورده على القول بالنفاذ مع فرق جلي بين الأمرين، ثم أوضح صاحب "الفيض" هذا الكلام، فارجع إليه لو شئت.


(١) "فتح الباري" (١٢/ ٣٢٦).
(٢) "فيض الباري" (٦/ ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>