للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وترجم السرخسي - رحمه الله - في "المبسوط" (١) كتاب الحيل مستقلًا، وقال فيه: اختلف الناس في "كتاب الحيل" أنه من تصنيف محمد رحمه الله تعالى أم لا؟ كان أبو سليمان الجوزجاني ينكر ذلك، وأما أبو حفص رحمه الله تعالى كان يقول: هو من تصنيف محمد، وكان يروي عنه ذلك، وهو الأصح، فإن الحيل في الأحكام المخرجة عن الإمام جائزة عند جمهور العلماء، وإنما كره ذلك بعض المتعسفين لجهلهم وقلة تأملهم في الكتاب والسُّنَّة، ثم بسط في دلائل جواز الحيل، ثم قال: فالحاصل: أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن، وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق لرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه، فما كان على هذا السبيل فهو مكروه، وما كان على السبيل الذي قلنا أولًا فلا بأس به، إلى آخر ما بسطه.

قال الراغب (٢): وأكثر استعمال الحيلة فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة، ولهذا قيل في وصف الله - عز وجل -: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: ١٣] أي: الوصول في خفية من الناس، إلى: ما فيه حكمة، وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على وجه المذموم، تعالى الله عن القبيح، انتهى.

وفي "تقرير مولانا محمد حسن المكي" (٣) عن الشيخ الكَنكَوهي: الحيلة جعل المباح وسيلةً لتحصيل المقصود، فإن كان لتحصيل حقه أو لإحياء حق مسلم أو لدفع الظلم عنه فجائز، وإن كان لإبطال حق مسلم أو لإلقائه في المهلكة فلا يجوز، انتهى.

وفي "مقدمة بدائع الصناع" لناشره الشيخ محمد زكريا علي يوسف تلخيصًا لكلام الشيخ أبي زهرة ما نصه: ولقد ادعى بعض الناس أن لأبي


(١) "المبسوط" (٣٠/ ١٩٨).
(٢) "مفردات ألفاظ القرآن" (ص ٢٦٧).
(٣) انظر: "لامع الدراري" (١٠/ ٢١٨، ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>