للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الرجوع في الهبة فمكروه عندنا تحريمًا أو تنزيهًا ديانةً، وإن نفذ بالقضاء أو الرضاء، إلى أن قال بعد ذكر دليل الحنفية: ولا أرى أحدًا ينكر مقدمات الدليل فكيف بالنتيجة، انتهى.

قوله: (وقال بعض الناس: الشفعة للجوار. . .) إلخ، قال القسطلاني في "شرحه" (١): أي: فناقض كلامه لأنه احتج في شفعة الجار بحديث "الجار أحق بسقبه"، ثم تحيل في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار، وليس فيه شيء من خلاف السُّنَّة، لكن المشهور عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال: يكره ذلك أشدّ الكراهة لما فيه من الضرر لا سيما إن كان بين المشتري والشفيع عداوة ويتضرر بمشاركته، انتهى.

قال الحافظ (٢): وقال ابن بطال (٣): أصل هذه المسألة أن رجلًا أراد شراء دار، فخاف أن يأخذها جاره بالشفعة، فسأل أبا حنيفة: كيف الحيلة في إسقاط الشفعة؟ فقال له: اشتر منها سهمًا واحدًا مشاعًا من مائة سهم، فتصير شريكًا لمالكها، ثم اشتر منه الباقي فتصير أنت أحق بالشفعة من الجار؛ لأن الشريك في المشاع أحق من الجار، وإنما أمره بأن يشتري سهمًا من مائة سهم لعدم رغبة الجار في شراء السهم الواحد لحقارته وقلة انتفاعه به، قال: وهذا ليس فيه شيء من خلاف السُّنَّة، وإنما أراد البخاري إلزامهم التناقض؛ لأنهم احتجوا في شفعة الجار بحديث: "الجار أحق بسقبه"، ثم تحيلوا في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار، انتهى.

قلت: والمسألة خلافية، فلا تحل الحيلة لإسقاط الشفعة عند مالك وأحمد، وتحل عند أبي حنيفة والشافعي، والبسط في "الأوجز" (٤).


(١) "إرشاد الساري" (١٤/ ٤٦٦).
(٢) "فتح الباري" (١٢/ ٣٤٦).
(٣) "شرح ابن بطال" (١٢/ ٣٢٨).
(٤) "أوجز المسالك" (١٣/ ٥٣٢ - ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>