للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفاد الحافظ وتبعه القسطلاني (١) وغيره: أن كون الإيمان محتاجًا إلى النية إنما هو على رأي البخاري من أن الإيمان عمل، وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نيَّة كسائر أعمال القلوب من خشية الله وعظمته والتقرب إليه؛ لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها؛ لأن النية إنما تميز العمل لله تعالى عن العمل لغيره رياءً، وتميز مراتب الأعمال كالفرض عن الندب، وتميز العبادة عن العادة كالصوم عن الحِمْية، ويظهر من كلام العلامة السندي (٢) أن هذا الباب ذكره البخاري استطرادًا فإنه قال: وكأنه ذكره ههنا لتعلق النية بالقلب الذي هو محل الإيمان، انتهى.

وفي "اللامع" (٣): قوله: إن الأعمال بالنية، يعني: بذلك ثوابها، انتهى.

وفي هامشه: لله در الشيخ ما أجاد في هذه الجملة وملأ بحرًا عميقًا في كوزة، فأشار بالكلمة الواحدة إلى أبحاث طويلة، والمعنى: أن الإمام البخاري يريد بهذا الباب أن ثواب الأعمال بالنية كما هو رأي السادة الحنفية - شكر الله سعيهم - فإنهم قالوا: إن الثواب منوط بحسن النية، ولا يثاب الرجل على عمل بدونه، وهو الذي أراد الإمام البخاري ههنا، ولذا فسَّر النية بالحسبة.

ولله در الحنفية إذ فرقوا في الأعمال فقالوا: الأعمال التي هي عبادة محضة لا تصح بدون النية؛ لأن الأجر هو المقصود منها، والأعمال التي فيها معنى آخر غير التعبد تصح بدون النية كالوضوء وغيره، ألا ترى أن الوقف والعتق وغيرهما تصح من الكافر ولا نية له أصلًا.

قال الحافظ (٤): المراد بالحسبة طلب الثواب، وأيَّد الإمام البخاري


(١) "فتح الباري" (١/ ١٣٥)، "إرشاد الساري" (١/ ٢٥٤).
(٢) "حاشية السندي على صحيح البخاري" (١/ ٢٠).
(٣) "لامع الدراري" (١/ ٦١٠).
(٤) "فتح الباري" (١/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>