للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظم، فلا يمكن الاحتجاج بكلام الزهري الثالث أيضًا، مع أنه لا عبرة بكلام هؤلاء مخالفًا لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن دلالة الروايات على الترجمة حسب ما قصد المؤلف ظاهرة، فإنه قصد أن السمن إنما لم يتنجس؛ لأن أحد أوصافه لم يتغير لوقوع الفأرة فيه، وكذلك الاستدلال بطهارة المسك فإن الأمة قد اتفقت على طهارته مع أنه دم في الأصل، فعلم أن الحكم يتغير من الطهارة إلى النجاسة وبالعكس بتغير الذات، فكذلك بتغير بعض الأوصاف، فأما إذا لم يتغير بوقوع النجس فيه شيء من الأوصاف الثلاثة فلا معنى لتغير الحكم عليه من الطهارة إلى النجاسة.

والجواب للإمام وللشافعي رحمهما الله في حكمهما بنجاسة الماء وإن لم يتغير أحد أوصافه: أن التغير غير منحصر فيما ذكرتم، بل التغير قد يتطرق إلى الشيء ولا يحس به إحدى الحواس الظاهرة، وقد علم ذلك بإعلام من الشارع، وأيضًا فإن تحديد الشارع على خلاف بين المذهبين فيه يدل على أن الأمر غير مبني على التغير مطلقًا قلَّ الماء أو كثر، وإنما هذا سبيل الكثير ويتنجس ما دونه بملاقاة القليل من النجاسة أيضًا، انتهى.

وفي هامشه: قوله: "باب ما يقع. . ." إلخ، قال الحافظ (١): أي: هل ينجسها أم لا؟ أو لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره؟ وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث، انتهى.

والمسألة خلافية شهيرة، واختلفت العلماء في ذلك على أقوال كثيرة بلغها مولانا عبد الحي في "السعاية" و"التعليق الممجد" (٢) إلى خمسة عشر مذهبًا، وأشبع الشيخ قُدِّس سرُّه الكلام على هذه المسألة في "الكوكب" (٣)، وأوسع المذاهب في ذلك مذهب الظاهرية أن العبرة لغلبة النجاسة، ثم بعد ذلك مذهب مالك، وهو رواية لأحمد: أن الماء طاهر ما لم يتغير أحد


(١) "فتح الباري" (١/ ٣٤٢).
(٢) انظر: "التعليق الممجد" (١/ ٢٦٩ - ٢٧١)، و"السعاية" (١/ ٣٨٢).
(٣) انظر: "الكوكب الدري" (١/ ٨٨ - ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>