للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينفرد بتوجيهات، وتعليلات تنحل بها الألغاز، وتنفتح بها الأقفال، وتخلو عنها بطون الأسفار.

ولذلك عُني بهذا الموضوع العلماء قديمًا وحديثًا، وأجالوا فيه قداحهم، وأركضوا في هذا السباق جيادهم، واعتصروا في ذلك عقولهم الراجحة، وعلومهم الراسخة، ولا نعرف أديبًا أو لغويًا تعمَّق في فهم بيت من الأبيات، ومعرفة معنى من المعاني الشعرية والوصول إلى غايات الشعراء، مثل تعمق شراح "الجامع الصحيح" والمشتغلين بتدريسه في فهم مقاصد المؤلف، وشرح كلامه.

ولا نعرف - على طول اشتغالنا بالتاريخ العلمي - مؤلَّفًا من مؤلَّفات العلماء أو الحكماء عُني به رجال ذلك الفن، وعكفوا على حلِّ غوامضه، وفكِّ مشكلاته، حتى شقّوا فيه الشَّعْرَة، مثل ما عُني علماء الحديث بـ "الجامع الصحيح"، وما ذلك إلا لإخلاص مؤلفه لعلم الحديث الشريف، وانقطاعه إليه، وجهاده في سبيله، وتفانيه في ذلك، كما بيَّنا ذلك في تقديمنا لمقدمة "لامع الدراري".

وما ذلك كذلك إلا لشدة اعتناء الأمة الإسلامية بكل ما يتَّصل بالحديث النبوي، ويتَّصل بالشخصية النبوية، التي ضَمِنَ الله لها برفع الذكر، وتخليد الأثر، وارتفاع المنار، ولسان صدق في العالمين، حتى تخطَّت هذه البركة وسرت إلى من اتصل بها عن قريب أو بعيد، فأدركت كل من انخرط في سلك الرواة على مدى العصور والأجيال، فرفعت عنه اللثام، وأزالت عنه لوثة النكارة، أو وصمة الجهالة، فدوِّن في كتب أسماء الرجال اسمه واسم أبيه، وذُكر كثير من أخباره، وبُحث عن نسبه ونسبته، ودراسته ونشأته، وأمانته وعدالته، حتى أصبح عَلَمًا يعرف، ومعرفةً لا تنكر، وفاق في ذلك على كثير من المصلحين في أمم أخرى، وكثير من العظماء والأبطال، ومؤسِّسي الحكومات، حتى قال أحد المستشرقين الكبار وهو العالم الألماني المعروف بـ "اسبرنجر" في مقدمته بالإنجليزية على كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>