للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ المشايخ في "التراجم" (١): إنما عقَّبه بباب مواقيت الصلاة؛ لأن المراد بكتاب المواقيت كتابها مطلقًا، وببابها المواقيت من حيث إنها شرعت بالوحي أم بالاجتهاد، وأدرج المصنف في كتاب مواقيت الصلاة أبوابًا دالة على فضائل الصلاة، انتهى.

فأشار شيخ المشايخ إلى أنها ذكرت استطرادًا وتبعًا.

ثم يشكل على تقسيم أوقات الصلاة عدم التوازن والتناسب فيها، فإن الوقت فارغ من الصباح إلى الظهر، ثم تتوالى الصلوات إلى ثلث الليل، ثم لا صلاة إلى الصباح طول الليل، وتكلموا على الحكم في ذلك بوجوه كثيرة، ولا ريب في أن حكم الله تبارك وتعالى في أحكامه وتنويعها كثيرة لا تدركها القوة البشرية، وإنما تكلموا عليها حسبما بلغت إليها فراستهم، وارتقت إليها قوتهم الفكرية، وتكلم على حكم قسمة المواقيت مشايخ عديدة، منهم: الرازي في "التفسير الكبير"، وشارح "المنهاج"، والشيخ التهانوي قُدِّس سرُّه في "المصالح العقلية".

والأوجه عند ذلك المبتلى بالسيئات المعترف بالتقصيرات: أن الله - عز وجل - لم يخلقنا إلا للعبادة فقط، كما حصره في قوله عزَّ اسمه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، وكان حق ذلك صرف الأوقات كلها في العبادات، وأهمها الصلاة؛ كالملائكة فإن منهم القائمين والراكعين والساجدين إلى يوم القيامة، لا سيما إذا كان الأجر منه عزَّ اسمه يصل إلينا في كل ساعة ونفس في صورة النفس والصحة والسماعة والرؤية وقوة البطش والمشي وغير ذلك من الأيادى المتوالية في كل ساعة، فقد صدق عزَّ اسمه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤]، ولا مراء في أن عد منافع نعمة واحدة أيضًا من نعمه تعالى خارج عن الطاقة البشرية فكان حق ذلك أن نقوم في الطاعة في كل ساعة من ليل ونهار.


(١) "شرح تراجم أبواب البخاري" (ص ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>