للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن أرحم الراحمين لما رأى عجزنا واحتياجنا إلى المنام والمعاش وغير ذلك من الحوائج مَنَّ علينا بتقسم الملوين فجعل من كل واحد منهما نصفًا لحق العبادة، ونصفًا لنا لحوائجنا، فإن الحوائج تختلف فإن بعضها يختص بالليل، وبعضها يختص بالنهار، ولذا لم يوجب في النصف من كل منهما صلاة وأوجب في النصف الآخر من كل منهما صلوات، وكان حق ذلك أن يصرف هذا النصف بتمامه في الصلوات.

ولذا قال أهل الأصول: إن العظيمة في كل صلاة أن يؤدى في تمام الوقت، فكان ينبغي أن يؤدى كل صلاة من أول وقته إلى آخر وقته لكن أرحم الراحمين منَّ علينا مرة أخرى إذ قبل من جميع الأوقات عدة ركعات تؤدى في وقت يسير، إلا أن الطبائع لمَّا كانت على أحوال مختلفة فبعضها متقاصرة متكاسلة في أداء ما يطلب منهم، وبعضها مستعدة مجتهدة يعدون صرف جميع أوقاتها في أداء ما أرضى مالكهم غاية سعادتهم ومنتهى مأمولهم، فرض الله عزَّ اسمه ركعات عديدة رعاية للأولين ومنًّا عليهم وشرع للآخرين النوافل المخصوصة في أوقاتهم الخاصة تكميلًا لما انتقص من أوقاته عز اسمه، فشرع بمقابلة الظهر الضحى، وبمقابلة العصر الإشراق، كما يومئ إليه حديث علي في "الشمائل" (١) إذ قال: "إذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من هنا عند الظهر صلى أربعًا" الحديث، وبمقابل العشائين التهجد في آخر الليل، ومن رحمته الواسعة أن الصحيفة إذا كانت في طرفيها عبادة يكفِّر بفضلها ما بينهما كما دلت عليه النصوص الكثيرة من الآيات والأحاديث، قال عزَّ اسمه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، وفي "الدر" برواية أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكر عن ربه تبارك وتعالى:


(١) "الشمائل" للإمام الترمذي (رقم ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>