للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"اذكرني بعد العصر وبعد الفجر ساعة أكفك فيما بينهما"، "فضائل ذكر"، حتى ورد عن ابن عباس مرفوعًا: "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت: لا إله إلا الله، فإنه من كان أول كلامه لا إله إلا الله، وآخر كلامه لا إله إلا الله، ثم عاش ألف سنة لم يسأل عن ذنب واحد"، وذكر ابن الجوزي إياه في الموضوعات متعقب كما في رسالتي "فضائل الذكر عن اللآلي" وغيره.

قال ابن عابدين (١) في بيان كراهة السمر بعد العشاء: والمعنى فيه أن يكون ختام الصحيفة بالعبادة، كما جعل ابتدائها بها ليمحى ما بينهما من الزّلات، ولذا كره الكلام قبل صلاة الفجر، وتمامه في "الإمداد"، انتهى.

ولذلك ندب عندي التعجيل في الظهر والتأخير في العصر ليكونا في طرفي الوقت الذي هو حقه تعالى، وأيضًا منتظر الصلاة يكون في حكم الصلاة فلانتظار الصلاة الأخرى يعد مصليًا في سائر وقته عزَّ اسمه، ولأجل ذلك ندب عندي تعجيل المغرب وتأخير العشاء ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخره إلى شطر الليل ليحصى جميع وقته تعالى، ومن ههنا يظهر معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم"، فإن ظاهر كونها صلاة لنا أن نبادر بها تنويهًا بشأنها ونأتي بها في أول أوقاتها اهتمامًا بها، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل كونها صلاة لنا علة لتأخيرها، فهذا لا يستقيم إلا بالنظر الدقيق على ما قلنا من أن الأصل فيها كان أداؤها في آخر وقتها لتقع في آخر النصف من حقه عزَّ اسمه.

فمقتضى الاهتمام بها أن تؤدى في أصل وقتها وهو آخر الوقت المباح، ولهذه الوجوه العديدة قلت: أولا: أن هذه الحكمة أولى عندي من الأقوال الأخر التي ذكرت في ذلك؛ لأنه يظهر من ذلك معنى الروايات الأخر ويطابقه الأصول، ويظهر منه وجه تعجيل الظهر والمغرب وتأخير


(١) "رد المحتار على الدر المختار" (٢/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>