للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالبيعة على أقسام: منها بيعة الخلافة، ومنها بيعة الإسلام، ومنها بيعة التمسك بحبل التقوى، ومنها بيعة الهجرة والجهاد، ومنها بيعة التوثق في الجهاد، وكانت بيعة الإسلام متروكة في زمن الخلفاء، أما في زمن الراشدين منهم فلأن دخول الناس في الإسلام في أيامهم كان غالبًا بالقهر والسيف، لا بالتأليف وإظهار البرهان، ولا طوعًا ولا رغبة، وأما في زمن غيرهم فلأنهم كانوا في الأكثر ظَلَمَةَ فَسَقَة لا يهتمون، وكذلك بيعة التمسك بحبل التقوى كانت متروكة، أما في زمان الخلفاء الراشدين فلكثرة الصحابة الذين استناروا بصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتأدبوا في حضرته فكانوا لا يحتاجون إلى بيعة الخلفاء، وأما في زمن غيرهم فخوفًا من افتراق الكلمة وأن يظن بهم مبايعة الخلافة فتهيج الفتن، ثم لما اندرس هذا في الخلفاء انتهز أكابر العلماء والمشايخ الفرصةَ، وتمسَّكوا بسُنَّة البيعة، إلى آخر ما بسطه.

(تفترونه بين أيديكم وأرجلكم) خصَّ الأيدي والأرجل بالافتراء؛ لأن معظم الأفعال تقع بهما، ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحًا وبعضكم يشاهد بعضًا، ويحتمل أن يكون المراد بالأيدي والأرجل القلب؛ لأنه هو الذي يترجم عنه اللسان، ويحتمل أن يكون قوله: "بين أيديكم" أي: في الحال، وقوله: "وأرجلكم" أي: في المستقبل؛ لأن السعي من أفعال الأرجل.

وقيل: أصل هذا كان في بيعة النساء، وكنَّى بذلك - كما قال الهروي في "الغريبين" - عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها، ثم لما استعمل في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولًا، انتهى من "الفتح" (١) ملخصًا، وذكر شيء من الكلام عليه في "الأوجز" (٢).

(ولا تعصوني في معروف) هو ما يحسن، وهو ما لم ينه الشارع عنه، ويقال: هو ما عُرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا، قاله شيخ الإسلام زكريا


(١) "فتح الباري" (١/ ٦٥).
(٢) "أوجز المسالك" (١٧/ ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>