للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الحديث لكونه معلومًا، وقد يكون مما تقدم وربما تقدم قريبًا.

ويقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها ما فيه حديث واحد، وفي بعضها ما فيه آية من كتاب الله، وبعضها لا شيء فيه البتة، وقد ادَّعى بعضهم أنه صنع ذلك عمدًا، وغرضه أن يبيِّن أنه لم يثبت عنده حديث بشرطه في المعنى الذي ترجم عليه، ومن ثمة وقع في بعض من نسخ الكتاب ضمُّ باب لم يذكر فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب، فأشكل فهمه على الناظر فيه" (١).

وقد زاد على ذلك حكيم الإسلام الشيخ ولي الله الدهلوي، فأحسن وأجاد، وأوضح التفاوت الواقع بين أفهام العلماء ومقاصد المؤلف الإمام، وكأنه يقول بلسان الشاعر:

نَزَلُوا بِمَكَّةَ فِيْ قَبَائِلَ هَاشِمٍ … وَنَزَلَتْ بِالْبَيْدَاءِ أَبْعَدَ مَنْزِلِ

قال - رحمه الله -: وكثيرًا ما يستخرج الآداب المفهومة بالعقل، من الكتاب والسُّنَّة، والعادات الكائنة في زمانه - صلى الله عليه وسلم -، ومثل هذا لا يدرك حُسنه إلا من مارسَ كتب الآداب، وأجال عقله في ميدان آداب قومه، ثم طلب لها أصلًا من السُّنَّة (٢).

ومن أكثَرَ قراءةَ "الجامع الصحيح" درسًا وتدريسًا، وأنعمَ النظر فيه، شهد بصدق شيخ الإسلام فيما قاله، وإصابته الصميم، ووجد شيئًا كثيرًا مما يتأدَّب به، ويتخلَّق بأخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعادات الصحابة، منثورًا في ثنايا هذا الكتاب العظيم، حتى يستطيع أن يستخرج منه كتابًا آخر، ويسميه: "الأدب المفرد" أو بما شاء، وقد يستهين المختص بالفقه والحديث بقيمة هذه الثروة العظيمة، وقد يلتوي عليه فهمها وحكمة وضعها في هذا الكتاب الذي أفرد لجمع الأحاديث الصحيحة على شروط الإمام البخاري، ولكن


(١) مقدمة "فتح الباري" (ص ٨).
(٢) "شرح تراجم أبواب صحيح البخاري" (ص ٥)، طبع في حيدر آباد ١٣٢٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>