للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظر المحب يختلف عن نظر غيره، وقد أراد الإمام البخاري أن يكون هذا الكتاب نبراسًا للساري، وصورة لما كان عليه الصحابة والمسلمون في عصر النبوة.

والسبب الثاني لتعقُّد بعض ما أورده في هذا الكتاب من الأبواب والتراجم، والتوائها على فَهم كثير من الشرَّاح والمدرِّسين - حتى قال الكرماني (١): "إن هذا قسمٌ عجز الفحول البوازل (٢) في الأعصار، والعلماء الأفاضل من الأمصار، فتركوها [واعتذروا عنها] بأعذار" - هو عدم اطلاع أكثرهم على ما كان يسود في عصره من آراء وأقوال يشتدُّ حولها الخصام، ويكثر فيها القيل والقال، وما ذهب إليه بعض معاصريه، ومن تقدمه بقليل من مذاهب، فإنه يعقد بابًا ويأتي بترجمة، وما قصده من ذلك إلا نقض ما انتشر في الناس، وجرى عليه العامة، أو نقل عن عالم، وهو عنده مخالف للحديث وما ثبت من السُّنَّة، فهو يُوَرِّي بذلك، أو ينظر إليه من طرف خفي، ولا يستملح (٣) ذلك، ولا يفهم سر إيراده له، إلا من اتَّسع علمه، وأحاط بأكثر ما كان يوجد في عصره من الأخلاق والعادات، والأقوال والآراء، وكذلك اطلع على كتب معاصريه، أو من سبقه بقليل، كـ "مصنف عبد الرزاق" و"مصنف ابن أبي شيبة" وغيرهما.

وقد أشار إلى هذه النكتة الشيخ ولي الله الدهلوي في بعض مباحثه في كتابه المتقدم ذكره، إذ قال: "وأكثر ذلك تعقبات وتبكيتات على عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في تراجم مصنفيهما، إذ شواهد الآثار تروى عن الصحابة والتابعين في مصنَّفَيهما، ومثل هذا لا ينتفع به إلا من مارس الكتابين، واطلع على ما فيهما" (٤).


(١) "صحيح البخاري بشرح الكرماني" (١/ ٤).
(٢) البازل: الرجل الكامل في تجربته.
(٣) كذا في الأصل، والظاهر: "ولا يستلمح".
(٤) "رسالة شرح التراجم" للشاه ولي الله الدهلوي (ص ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>