للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الحقيقة مهما كانت ساطعة، والحجة مهما كانت باهرة، فإن التحامل والعناد والتقليد مسيطر على تفكير أهل الكتاب ﴿وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ لأنهم منقسمون طوائف كثيرة، كل منها تدعي الحقيقة لنفسها في حين أنهم يتوجهون إلى قبلة أهوائهم وعصبياتهم ومصالحهم المادية والشخصية فلكل منهم وجهة هو مولّيها كما سيرد: ﴿وَلَئِنِ اِتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ المعنى أنه لا يمكن الوصول إلى حل وسط معهم إلا باتباع أهوائهم، ونظير ذلك قوله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ﴾ [آل عمران ٣/ ١٠٠]، والمغزى أيضا أنه لا عذر في التولّي لمن جاءه علم الكتاب.

﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (١٤٦)

١٤٦ - ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ يعرفون الرسول محمد المشار إليه بالآية (١٢٩)﴾، ﴿كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ﴾ كما يعرف أحدهم ابنه من بين أبناء الناس كلهم، وكانت العرب تضرب هذا المثل في صحّة الشيء، وأهل الكتاب أيضا يعرفون مكان القبلة الجديد القديم بداهة، وفي الكتاب اليهودي المقدس المسمّى العهد القديم (سفر التكوين ٢١/ ١٨) ورد صراحة أن ستنشأ أمة عظيمة من سلالة إسماعيل، وأن سيكون منها النبي المنتظر الشبيه بموسى (سفر التثنية ١٨/ ١٨)، ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ﴾ وهم العلماء من بينهم كما سيرد ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ لأنهم على علم أنّ إبراهيم هو الذي بنى الكعبة أصلا، وأنّ مسجد القدس بناه سليمان بعد ذلك بأكثر من عشرة قرون، فالكعبة كانت هي القبلة طيلة تلك الفترة، وتلك حقيقة تاريخية يعرفونها حقّ المعرفة ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ الحق، كما يعلمون أنهم على ضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>