للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عما كانوا غافلين عنه، مبيّنا لهم بالآيات ما عميت بصائرهم أو تعامت عن رؤيته.

﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اِقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ (١٨٥)

١٨٥ - ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ ليتفكّروا في معجزة العوا لم والأفلاك التي لا نهاية لها، مع أن العقل لا يدرك منها إلا الشيء المحدود ﴿وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ وليتفكّروا في مخلوقات الله على اختلاف أنواعها والإعجاز فيها، فكل هذه الأفلاك والمخلوقات لها مسبّب، وكان لها بداية، ومن ثمّ لا بد أن يكون لها نهاية، فهي ليست أزلية، ويستحيل أن تكون أوجدت نفسها من العدم، لأن فكرة العدم لا تنطوي على حقيقة، ولا بدّ أن يكون هنالك خالق ﴿وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اِقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ لعلّ آجالهم اقتربت فيموتون على الكفر والتكذيب، وينتهون إلى الحساب والعذاب، فلينظروا في ذلك ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ لا عذر لهم بعدم الإيمان، بعد هذا القرآن المعجز، فالضمير في ﴿بَعْدَهُ﴾ يعود إلى القرآن، وقد يعود الضمير في ﴿بَعْدَهُ﴾ إلى أجلهم فيكون المعنى أن إيمانهم بالقرآن لا ينفعهم بعد حلول الأجل.

﴿مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (١٨٦)

١٨٦ - ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ﴾ أي إنّ من يختر الضلال ويصر عليه بعد الإمهال وطول العمر، ولا ينظر في آيات الوحي المعجزة، ولا يتفكّر في دلائل ملكوت السماوات والأفلاك والمخلوقات، ولا يستفيد من ملكة الفكر والعقل، فقد أضلّه الله، لأن سنته تعالى في خلقه اقتضت ارتباط المسبّبات بالأسباب، فإذا كان الأمر كذلك، فمن يهديه بعد الله؟ والنتيجة أن الإضلال ليس جبرا، وإنّما سببه الخيار الحر لمن يتعمد إهمال دواعي فطرته ومقدرته المعرفية، راجع شرح الآية (١٧٨)﴾ وآية [البقرة ٦/ ٢ - ٧]، ﴿وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يتركهم تعالى لخيارهم ولا يجبرهم على الهداية جبرا، ومعنى يعمهون

<<  <  ج: ص:  >  >>