للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل أيضا أن الأكابر تحوّلوا إلى مجرمين، لأنهم جعلوا أنفسهم فوق القانون، وفوق المعايير الأخلاقية، وفوق عامة الناس، فصاروا يرفضون الانتقاد الموجّه إليهم، ولا يحاسبون أنفسهم إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم، فيصدق فيهم قوله تعالى: ﴿وَما يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ والضمير في أنفسهم يعود لأكابر المجرمين وأشياعهم، لأن المجتمعات التي تمكّن مجرميها من التحكم فيها والسيطرة عليها، سواء كان ذلك نتيجة تخلفها وجهلها، أو سوء أخلاقها وانتشار الفساد فيها، تؤول في نهاية المطاف إلى الدمار مصداقا لقوله تعالى:

﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٣٥/ ٤٣]، وقوله عزّ من قائل ﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً﴾ [الإسراء: ١٧/ ١٦]، أي إنه تعالى يأمر الأكابر المترفين بالإصلاح والطاعة، فلا يستجيبون، ويكون التفسخ والانحطاط والانهيار عاقبة أمرهم.

﴿وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾ (١٢٤)

١٢٤ - ﴿وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ﴾ وهم الأكابر المشار إليهم سابقا، أي جاءهم وحي من السماء عن طريق الرسول ﴿قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ﴾ لا يصدّقون الرسل، ويريدون أن ينزّل الوحي عليهم مباشرة، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾ [المدثر ٧٤/ ٥٢].

﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ الله أعلم بحكمته من يصطفي من الرسل والأنبياء ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ﴾ وهم منكرو الوحي سيصيبهم الهوان والذل، بعد التكبر والعظمة ﴿وَعَذابٌ شَدِيدٌ﴾ إن في الدنيا أو في الآخرة أو كلاهما معا ﴿بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾ بسبب مكرهم، وبنتيجته.

<<  <  ج: ص:  >  >>