للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿الْكِبَرُ﴾ وهو لا زال ممسكا عن الإنفاق، مفرّطا في طاعة الله، ولم يكن همّه إلاّ الدنيا ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ﴾ فنشأت ذريّته مثله، تعمل لدنياها ولا تعمل لآخرتها، وهذا منتهى الضعف ﴿فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ ترك دنياه خلفه بعد موته فلا تفيده شيئا، كأنّما أصابها إعصار فاحترقت، والإعصار كناية عن الشحّ ومنع الإنفاق والتهالك على المادة، والمعنى أنّه بعد موته وجد نفسه صفر اليدين، بأشدّ الحاجة إلى عمل صالح لو كان فعله، روى مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ﴿كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ لعلّكم تتفكّرون في زوال الدنيا وإقبال الآخرة فتعملون لها قبل فوات الأوان، لأن الامتناع عن الإنفاق، أو الإنفاق رئاء الناس، كمن احترقت ثروته فلم يبق منها شيء، انظر الآية (٢٥٤).

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ (٢٦٧)

٢٦٧ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ﴾ طيبات ما كسبتم بمعنى أنّ الزكاة والصدقة يجب أن تكونا من المال الحلال، والمعنى أنّ الأصل في مال المؤمنين أن يكون حلالا ﴿وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ من نتاج الزراعة والمعادن والوقود ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ لا تقصدوا كسب المال الحرام ثمّ تنفقوا منه ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ لأنّ المال الحرام الذي تحصّل من الرشوة، وأكل مال الغير بالباطل، قد حلّله المرء لنفسه باختلاق أعذار واهية، فكأنه أغمض عينيه عن إثمه ﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ غنيّ عن صدقاتكم كلّها، فكيف بالحرام منها؟ وحميد بما أعطاكم من النعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>