١٠٠ - ﴿وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ﴾ رغم كل الآيات الباهرات المشار إليها في الآيات السابقة (٩٥ - ٩٩) فقد جعلوا الجن شركاء الله، هكذا من عندهم، لمجرد التخمين بلا برهان، وهم نوع آخر من المشركين اعتقدوا بشرك الجن معه تعالى، وإعراب ﴿شُرَكاءَ الْجِنَّ﴾ مفعولان به لجعلوا ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ جعلوهم شركاء رغم أنه تعالى خالق الجن فكيف تعبد المخلوقات، ويحتمل المعنى أيضا عود الضمير في ﴿خَلَقَهُمْ﴾ إلى المشركين، أي أنهم يعلمون أنه تعالى وحده خالقهم، ومع ذلك لم يمنعهم علمهم أن يتخذوا من لا يخلق شريكا للخالق ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ﴾ اخترعوا له بنين وبنات، خرقا لكل منطق وتفكير سليم ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بغير علم يقيني، ولا تحقق منه، فمن جهة تقول المسيحية: إن المسيح ابن الله، ومن جهة ثانية كانت العرب في الجاهلية تقول: إن الملائكة بنات الله ﴿سُبْحانَهُ﴾ تنزيه له عن كل ما لا يليق به ﴿وَتَعالى﴾ عن كل اعتقاد باطل وقول فاسد، فهو بعيد كل البعد عن النقصان والعيب الذي تضمنه قولهم بنسب الذرية والشركائء إليه، قال الرازي: التسبيح يعود إلى أقوال المسبحين، والتعالي يعود إلى صفاته الذاتية التي لا تحصل لغيره ﴿عَمّا يَصِفُونَ﴾ لأن أي محاولة لوصفه تعالى، أو لتحديد صفاته، ليست سوى استحالة منطقية، وأما صفاته تعالى المذكورة في القرآن الكريم فلا يقصد منها الإحاطة بحقيقته، وإنما بيان أثر هذه الصفات في الخلق وفي الكون من حولنا.
١٠١ - ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ مبدعهما وخالقهما على غير مثال سابق، انظر شرح الآية (١)﴾، ﴿أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ﴾ فمن أبدع السماوات والأرض لا يستحيل عليه خلق عيسى المسيح من أم بلا أب، فلا يكون ذلك مبررا لجعل المسيح ابن الله، وقصارى ما في الأمر أن يكون ذلك