للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرضاة جماعة المؤمنين القائمين بحقوق الإيمان، المقررة صفاتهم في القرآن، تلي مرضاة الله ورسوله، وأنهم لا يجتمعون على ضلال ﴿وَسَتُرَدُّونَ﴾ بعد الموت ﴿إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ﴾ الذي يعلم سرّكم وعلانيتكم ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ويحاسبكم على أعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، [الزلزلة ٧/ ٩٩ - ٨].

﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (١٠٦)

١٠٦ - ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾ أي مؤخّرون ومؤجّلون ﴿لِأَمْرِ اللهِ﴾ عطف على المذكورين في الآيات (١٠٢ - ١٠٥) من المتخلفين الذين شعروا بذنوبهم واعتذروا عنها وتابوا وعملوا صالحا، وأما هؤلاء المشار إليهم في هذه الآية فلم يصلوا بعد إلى درجة المراجعة الذاتية واتخاذ الخيار بين الحق والضلال، فهم من أنصاف المؤمنين المذبذبة نفوسهم بين الخير والشر، وهذا الصنف من الناس غير مقتصر على المذكورين بغزوة تبوك، وإنما ينطبق على أمثالهم في كل الأزمنة، والحكم عليهم قد أرجئ لأمر الله تبعا لما تتوصّل إليه نفوسهم في المستقبل من التوبة أو الضلال، فهم من هذه الناحية أشباه المذكورين في آية [الأعراف ٤٦/ ٧]، ﴿إِمّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ إن مالت نفوسهم إلى الضلال ﴿وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إن توصّلت نفوسهم إلى الحقيقة وتابوا وصحّت توبتهم وعملوا صالحا، وهكذا فإن التردد بين الأمرين عائد إليهم ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بحال عباده ﴿حَكِيمٌ﴾ في شرعه فيهم وفي إرجائهم وإعطائهم الفرص.

قال الألوسي: ومن هذه المادة المرجئة، إحدى فرق أهل القبلة، وسمّوا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب، حيث زعموا أن لا عذاب مع الإيمان، فلم يبق للمعصية عندهم أثر، وفي المواقف سمّوا مرجئة لأنهم يرجون - يؤخرون - العمل عن النية، أي يؤخرونه عنها في الرتبة، أو لأنهم يطمعون بالرجاء بزعمهم: لا يضر مع الإيمان معصية، انتهى، وكل ذلك من قبيل التمنّي وخداع النفس،

<<  <  ج: ص:  >  >>