للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحظوة عند أبيهم ويكونوا من بعده قوما صالحين، أما يعقوب فكان موقنا أنه تعالى غالب على أمره، وأقواله صريحة في الدلالة على ذلك، غير أن علمه بالطبع إجمالي غير محيط بدقائق الأمور وتفاصيل الأقدار.

﴿وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (٢٢)

٢٢ - ﴿وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي وصل منتهاه في شبابه وقوته واكتمل نموه العقلي والجسمي ﴿آتَيْناهُ حُكْماً﴾ بين الناس، وقيل أيضا الحكم هو الحكمة، وهي ليوسف النبوة، وقيل: هي العلم الذي يصاحبه عمل ﴿وَعِلْماً﴾ نافعا مؤيدا بالعمل، لأن العلم من دون العمل بموجبه لا يعتدّ به، والعلم الفقه بحقائق الأمور ﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أي وكذلك هي سنتنا في جزاء المحسنين في القول والعمل، لكل منهم بقدر إحسانه.

﴿وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾ (٢٣)

٢٣ - ﴿وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ﴾ المراودة منازعة الغير في الإرادة بحيث يريد المراود غير ما يريد المراود، وهي أيضا المطالبة برفق، ومنه الرائد طالب الكلأ والماء، والمعنى أرادت مخادعته عن نفسه تريده عشيقا ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ﴾ إمعانا في المكاشفة ولبيان النوايا ﴿وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ انتقلت من التلميح إلى التصريح، والمعنى هلمّ لك، أي أقبل وبادر، وقيل المعنى:

تهيأت لك،

﴿قالَ مَعاذَ اللهِ﴾ أي أعوذ بالله معاذا أن أفعل، وعلّل الاستعاذة بقوله:

﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ﴾ أي هو سيدي العزيز أحسن مثواي: إذ قال لك أكرمي مثواه، فلا يليق أن أقابل الإحسان بالخيانة، وربّي بمعنى رب الدار، وقد يكون المعنى: إنه ربّي وخالقي الله تعالى أحسن مقامي عندكم وسخركم لي فكيف أعصيه بارتكاب ما لا يجوز، وعلل امتناعه بقوله: ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>