للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي وأصحابه من المدينة كان لحسم النزاع مع قريش بمجابهة مباشرة مع جيش أبي جهل، والواضح من الآية أنّ الخيار بين الهجوم على القافلة وبين الاشتباك مع جيش المشركين، حسم قبل الخروج من المدينة راجع الخلفية التاريخية، ومن الطريف أن الألوسي في روح المعاني تفادى هذا المعنى بطريقة مصطنعة، إذ قال إن جملة ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ في موضع الحال، وهي حال مقدّرة لأن الكراهية وقعت بعد الخروج! فاضطر نفسه إلى تقدير الحال للمستقبل لكي يطابق التوهّم الشائع أن خروج النبي وأصحابه من المدينة كان مستهدفا قافلة أبي سفيان.

أمّا معنى التشبيه في قوله ﴿كَما﴾، أي كما جادل فريق منهم النبي في قسمة الأنفال المشار إليها آنفا، فقد جادلوه أيضا في الخروج من المدينة، إذ أرادوا سلب قافلة أبي سفيان وهم كارهون لقتال قريش، والمعنى أنّ تفكيرهم في الحالتين كان منصبّا على الغنائم!

﴿يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ (٦)

٦ - ﴿يُجادِلُونَكَ﴾ وهم الفريق الذي كان راغبا في قافلة أبي سفيان ﴿فِي الْحَقِّ﴾ أي في قتال المشركين، وأشارت له الآية بالحق، لأنه كان مقدرا له أن يحق الحق ويبطل الباطل ﴿بَعْدَ ما تَبَيَّنَ﴾ بعدما تبيّن لهم الحق، أي بعد ما تبين لهذا الفريق أن حشد جيش المسلمين كان لغرض قتال المشركين وليس لسلب القافلة ﴿كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ﴾ في خروجهم من المدينة ﴿وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ كانوا يخشون من قلة عددهم وقلة سلاحهم وضعف وسائلهم تجاه قوة قريش وجبروتها واستعدادها، وكانوا بالتالي يرون احتمالات الظفر لصالح قريش، فكأنما يساقون إلى الموت المؤكد.

﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>