﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ﴾ بأعماله ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها﴾ التمتع بالدنيا فقط دون الاستعداد للآخرة ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها﴾ يحصلون على ثمرة أعمالهم في الحياة الدنيا وفق سنته تعالى في نظام الأسباب والمسببات ونظام الأقدار، حتّى لو أنكروا القرآن وزعموا أنه افتراء ﴿وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ﴾ لا ينقصون - بسبب كفرهم - من نتائج كسبهم، لأن مدار الأرزاق على الأعمال السببية، لا على النيات والمقاصد الدينية، ولا يمنع ذلك أنّ لهداية الدين لحسن المعاملة والأمانة والاستقامة تأثيرا إيجابيا في الوصول إلى المطلوب.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١٦)
١٦ - ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ﴾ أي أولئك المتهالكين على الدنيا والغافلين عن الآخرة، ينتهي بهم المطاف إلى دار العذاب المسماة بالنار، فيحصل عكس مقصودهم لقصور فكرهم عن إدراك الحياة الآخرة ولاعتقادهم أنّ الدنيا هي نهاية المطاف ﴿وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها﴾ ممّا ظاهره البر والإحسان فلا يثابون عليها في الآخرة ﴿وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لبطلان العمل بلا إيمان،
١٧ - هذه الآية متعلقة بما قبلها وتقدير الخطاب: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها: ﴿أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ البيّنة هي الدليل العقلي، أي من هو في سلامة الفطرة والعقل السليم بحيث يكون على برهان وبصيرة من ربه فيما يؤمن به من التوحيد وإدراك البعث والآخرة والتمسك بالعقائد السليمة، وأيضا: من كان من أهل الكتاب على بينة من ربّه بإدراكه حقيقة رسالة موسى وعيسى ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ أي وهو يتلو القرآن معتبرا