للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ارتباط السورة بما قبلها]

بعد أن بينت سورة محمد المتقدمة أنّ على المؤمنين الدفاع عن الأمة تجاه العدوان ووجوب التضحية في سبيل ذلك، وأن الله تعالى يختبر الناس باستعدادهم للتضحية وبظهور أفعالهم إلى حيّز العلن وليس بعلمه بالغيب منهم: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ﴾ [محمد ٣١/ ٤٧]،

تضرب سورة الفتح مثالا على ذلك بالأحداث التي بدأت من صلح الحديبية وانتهت بفتح مكة وتبين الأسلوب الصحيح للتعامل مع المشركين والكفار كي ينتشر الإسلام سلما وبالقدوة الحسنة، الآية [الفتح ٢٩/ ٤٨].

[محور السورة]

الآية الأخيرة من السورة تلخص الأحداث المشار إليها بنموذج اجتماعي يتكرر في كل العصور، فهي تشبّه جماعة المؤمنين الناشئة في جزيرة العرب زمن البعثة - وبالتالي في كل مجتمع آخر وفي كل زمن - بالنبتة الصغيرة التي تنمو وتكبر وتشتد، وهو ما برهنت الأحداث في صلح الحديبية وما بعده على صحته: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ﴾ فلا يتوصلون معهم إلى حلول وسط في شؤون العقيدة ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ أي لشدة تقواهم وتواضعهم تجاه بعضهم البعض ﴿ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ كما كان المفترض في أتباع الديانات السابقة فكذلك في الإسلام ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ﴾ فالصلح يؤتي ثماره باختلاط الكفار مع المسلمين وانتشار ونمو الإسلام سلما بالقناعة والقدوة الحسنة، وبالتالي فإنّ مغفرة الله والأجر العظيم بانتظار من يؤمن من الكفار ويقرن إيمانه بالعمل الصالح: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الفتح ٢٩/ ٤٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>