أما قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ٥/ ١٠٥]، فمعناه لا يكن قصارى همّكم تقصّي عيوب الآخرين، بل انظروا في إصلاح أنفسكم أوّلا، وأيضا لا يضرّكم ضلال الآخرين بعد أن قمتم بواجبكم بدعوتهم إلى الإسلام، لأن الحساب على الله.
١٠٥ - ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاِخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ﴾ نور ﴿الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ الإشارة لليهود والنصارى لكونهم ابتعدوا عن أصل الوحي وابتكروا في الدين من المذاهب والعقائد الوضعية ما لم يكن فيه، وأيضا الذين غاب عن تفكيرهم جوهر الدين وتفرقوا شيعا وفرقا دينية بسبب تعلقهم بالشكليات والأمور السطحية والمصالح الخاصة، والآية تحذير للمؤمنين ألاّ يكونوا مثلهم.
١٠٦ - ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ استمرار الخطاب من الآية السابقة، والمعنى: أولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، وابيضاض الوجوه كناية عن السرور، واسوداد الوجوه كناية عن شدّة الحزن والغم ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ﴾ يقال للذين اسودّت وجوههم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ بعد أن فطركم الله على الإيمان، أو بعد أن جاءتكم الرسل بالآيات البيّنات وعرفتموها وآمنتم بها، فكيف كفرتم بعد ذلك بأن حرفتم الدين عن مقاصده الصحيحة؟ وارتددتم وتركتموه وراء ظهوركم، وذلك ينطبق على كفّار أهل الكتاب وغيرهم ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ فكأنهم اختاروا العذاب لأنفسهم كونه نتيجة طبيعية لسوء اختيارهم في الحياة الدنيا.