ولتطلّعهم إلى تحقق العدالة الاجتماعية في الدنيا وإلى سعادة الآخرة، وهذه النقطة الثورية بالذات جعلت مهمات الرسل والأنبياء بغيضة في قلوب الطبقات الحاكمة والطبقات المهيمنة على المجتمع ﴿بادِيَ الرَّأْيِ﴾ أي سارعوا إلى اتّباعك في بادي الرأي أي في ظاهره وما يبدو منه، أو في بادئه وأوّله قبل التفكير فيه والتمعّن في حقيقته ﴿وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ﴾ في القوة والمال والجاه ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ﴾ فيما تدّعونه جميعا، نوح في النبوة، وأتباعه في تصديقه، وقد احتاطوا بالظن دون الجزم تكريما لأنفسهم.
٢٨ - ﴿قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني عن رأيكم ﴿إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ البيّنة ما يتبيّن به الحق، وهي الدليل العقلي المؤيد بالفطرة السليمة بحيث يكون المرء على برهان وبصيرة من ربه فيما يؤمن به من التوحيد وإدراك البعث والآخرة، ومغزى قول نوح: ما رأيكم إن كنت على بيّنة ظاهرة منه تعالى ليست من عندي وكسبي البشري الذي تشاركوني فيه وإنما فوق ذلك:
﴿وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ وهي النبوّة وتعاليم الوحي التي هي سبب رحمة الله لمن يهتدي، انظر آية [البقرة ١٠٥/ ٢] وآية [آل عمران ٧٤/ ٣] في معنى الرحمة بأنها الوحي ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ حجبها عنكم غروركم وعنادكم واستكباركم ﴿أَنُلْزِمُكُمُوها﴾ أنلزمكم البيّنة بالإكراه ﴿وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ﴾ في حين أنكم منكرون لها؟ والمعنى لا نفعل ذلك، لأنّ الإسلام لا يصحّ إلاّ بإيمان الإذعان بمطلق إرادة الفرد وحريته، ولا إكراه في الدين، وتلك سنته تعالى في البشر أن الإيمان لا يكون بالإلزام، وأن الكاره للشيء لا تتوجه إرادته إلى طلبه ولا إلى فهم ما يدل عليه من الحجج والآيات، وأن دعوة الرسل والدعاة يجب أن توجّه إلى ما لدى الناس من الاستعداد للنظر والاستدلال، وفي ذلك إشارة للآية (١٧)﴾.