﴿تبدأ السورة بالتنبيه على زاوية من زوايا الإعجاز القرآني المذهلة وهي تنزّل القرآن نجوما على مدى ثلاثة وعشرين عاما من البعثة النبوية الشريفة، لأنّ ترتيب النزول بالآيات والسور غير ترتيب القرآن، فهو كلوحة من الفسيفساء هائلة، كان النبي الأميّ يأمر بوضع كل آية وقت نزولها في مكانها الصحيح من تلك اللوحة ولم يكن لديه مجال للتنقيح أو التعديل أو التغيير كما لم يكن لديه من مرونة وتكنولوجيا وسائل الكتابة والطباعة ما نعرفه اليوم، ومع ذلك يكتمل الوحي بعد ثلاثة وعشرين عاما من البعثة بقرآن متكامل متماسك معجز، كل سورة من سوره متسلسلة الآيات من أولها لآخرها بنظم فائق الإحكام، وكل سورة في ترتيبها القرآني متصلة مع ما قبلها وما بعدها من السور كأن القرآن كلّه سورة واحدة، كل ذلك ما يفيد قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذا هَوى﴾ (١)، ونظيره قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة ٧٥/ ٥٦]، ما يدلّ أن ترتيب السور والآيات توقيفي من الله ﷿.
فيستحيل إذن اتهامهم للنبي بالضلال مع هذا الإعجاز، فهو قطعا لم يضل ولم يعتقد باطلا: ﴿ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى﴾ (٢)، وتعبير "صاحبكم" إشارة لسيرته الشريفة في قومه وما عرف عنه طيلة حياته من الاستقامة والأمانة.
ويستحيل أن يكون الوحي من عنده، فهو لا يتّبع هواه: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى﴾ (٣)
وما القرآن الذي ينطق به سوى وحي من الله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (٤)﴾