التفكير والاختيار والمنطق، مما أدى بهم إلى تنوع العقائد والأفكار ﴿لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا﴾ أي بالإيمان وفهم القرآن، وهو قول الساخرين منهم، والمتعالين على غيرهم، يستبعدون أن يكون تعالى قد أنزل هدايته على من هم دونهم منزلة بزعمهم، وهذا القول لا يزال يصدر إلى اليوم عن كثير من غير المسلمين من المتحاملين المغرضين، الذين بسبب هيمنة خلفيتهم الثقافية والتاريخية عليهم، يتهكمون على المسلمين، ويرفضون الإقرار بنزول الهداية القرآنية على غيرهم ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ لإحاطة علمه تعالى بالحكمة على أكمل وجه.
٥٤ - ﴿وَإِذا جاءَكَ﴾ أيها النبي ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا﴾ الذين يؤمنون بآيات القرآن، يستوضحون منك عن حسابهم وذنوبهم وهل تقبل توبتهم - بدليل تتمة الآية - ﴿فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ وهو إخبار منه تعالى بسلامتهم وأمنهم من عقابه ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ بشارة لهم بالمغفرة وبالرحمة ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ﴾ من عمل السوء منساقا مع الأماني واللذات العاجلة، واغترارا منه بتأوّل النصوص، يكون جاهلا، قال المفسّرون إن كل من عصى الله يسمّى جاهلا ويسمّى فعله جهالة، كما في قوله تعالى على لسان يوسف ﵇ ﴿وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ [يوسف: ١٢/ ٣٣]، وقد ورد هذا المعنى في آية [النساء: ٤/ ١٧]، ﴿ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ﴾ أتبع التوبة بالعمل الصالح ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ غفور بإزالة العقاب، ورحيم بإيصال الثواب الذي هو الرحمة.