للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتمال غفلتهم عنه وإهمالهم له، ولعله قاله من باب الاحتياط أو الاعتذار بالظواهر وإن كان على يقين من حسن عاقبة يوسف في الباطن، على أن علمه هذا كان مجملا مبهما مقيدا بالأقدار المجهولة، وقيل لو لم يذكر خوفه هذا لأولاده لما خطر ببالهم ادعائهم اللاحق بقصة الذئب،

﴿قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ (١٤)

١٤ - ﴿قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ جديرون بحمايته ﴿إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ أي خائبون ضعفا وعجزا، أو أننا مستحقون الهلاك لو أكله الذئب، أرادوا بذلك طمأنة أبيهم من ناحية هذا الاحتمال، أما حجة أبيهم لجهة حزنه أن يفارق يوسف فقد أعاروه آذانا صمّاء لكراهتهم يوسف وحسدهم له.

وها هنا اختلاف بيّن في رواية القصة اليهودية في سفر التكوين عن القصة القرآنية، ففي سفر التكوين أن إخوة يوسف مضوا ليرعوا غنم أبيهم فقال يعقوب ليوسف: إمض فافتقد سلامة إخوتك وسلامة الغنم وإتني بالخبر، فلما رأوه قادما إليهم ائتمروا عليه ليقتلوه أو يلقوه في الجب، ومن الواضح أن يعقوب ما كان ليرسل يوسف إليهم من تلقاء نفسه وقد علم سلفا بحقدهم وخطورتهم عليه وحسدهم له،

﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (١٥)

١٥ - ﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ في الغد من ليلتهم التي أقنعوا فيها أباه على كره منه أن يأخذوا يوسف معهم يرتع ويلعب ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ﴾ فجعلوه فيه، بعد ما كان من اختلافهم في قتله أو تغريبه ﴿وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ﴾ بما هوّن الله تعالى عليه من كربته ومصيبته وأزال الحزن، عنه فعلم أنها مصيبة في الظاهر ونعمة في الباطن ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أي لا يشعرون الآن بما أنت عليه من المنزلة والمكانة الرفيعة عند الله تعالى، كما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>