١٧١ - ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ﴾ المقصود بهم النصارى بدليل تتمة الآية ﴿لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ أي لا تفرطوا في تعظيم المسيح ورفعه إلى درجة الألوهية، فاليهود من جهة كفروا بالمسيح، والمسيحية من جهة ثانية جعلوا منه إلها، وكلا النقيضين كفر، وهذا الغلوّ في الدين أدخله في دين النصارى بولس أولا، والمجمعات الكنسية ثانيا، ابتداء من مجمع نيقية الذي انعقد عام ٣٢٥ برعاية قسطنطين الكبير إمبراطور بيزنطة، انظر تفسير آيات [آل عمران: ٣/ ٣] و [المائدة:
٥/ ١٣ - ١٤، ٤٧]، ﴿وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ لا تدّعوا أنّه حلّ في جسد بشر، ولا أن له ولدا أو شريكا، سبحانه وتعالى عما يصفون علوّا كبيرا ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ﴾ بعثه تعالى إلى بني إسرائيل لينقذهم من الأوهام والخرافات والضلالات التي أضافها أحبارهم إلى رسالة موسى وجعلوها في كتبهم، حتى صار دينهم مجرد عصبية وجنسية، كما بعثه تعالى كي ينهاهم عن عبادة الجبت والطاغوت والمادة، ويبشرهم بقدوم خاتم الأنبياء والرسل، لقوله: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦١/ ٦].
﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ﴾ هو مصداق كلمته، وتحقيق وعده تعالى إلى مريم، والكلمة هي البشارة بميلاد عيسى، انظر آيات [مريم: ١٩/ ١٩] و [آل عمران:
٣/ ٤٥]، ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ المسيح مثل سائر البشر خلق بنفخة الروح أو بروح من الله، لقوله تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: ٣٢/ ٧ - ٩].
﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ﴾ لأن عيسى ابن مريم رسول من رسل الله ﴿وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ﴾ لا تقولوا أيها النصارى: آلهتنا ثلاثة، وهو مذهب التثليث المعروف عندهم، وهم يدّعون الجمع بين التثليث والتوحيد في