حضرموت والحبشة، وعاصمتها مأرب، واشتهرت في عصرها بنظام ريّ رائع مكون من السدود والقنوات لا يزال بعضها باق إلى اليوم، وأكبرها سدّ مأرب الذي اشتهرت به، ويبدو أن الفترة التاريخية التي تشير إليها هذه الآية كانت بعد زمن بلقيس ملكة سبأ بكثير، انظرسورة [النمل ٢٣/ ٢٧ - ٤٤]، أي بعد الأعوام ٩٧٠ - ٩٣٥ ق. م وهي فترة حكم سليمان:
﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ﴾ موطنهم ﴿آيَةٌ﴾ معجزة ﴿جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ﴾ بلاد زراعية غنية وممتدة إلى الشرق والغرب من عاصمتهم مأرب على حوافّ الربع الخالي ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ من نتاجها ﴿وَاُشْكُرُوا لَهُ﴾ بالقول والعمل ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ بلدتكم مأرب، بلدة طيبة ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ يغفر الزلاّت والأخطاء.
١٦ - ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ جحدوا وكفروا ﴿فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ السيل الصعب، نتيجة انهيار سد مأرب لأول مرة، ولا يعرف تاريخه على وجه التحديد، ممّا أدى لخراب أراض شاسعة نتج عنها هجرة الكثير من قبائل قحطان الجنوبية نحو شمال الجزيرة العربية، ومع أنه تم إصلاح السدود وشبكة الري بعد ذلك فإن سبأ لم تعد إلى سابق عهدها من الازدهار، وتلا ذلك الانهيار الثاني والنهائي لسد مأرب بضع عشرات من السنين قبل ظهور الإسلام ﴿وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ﴾ بأراضيهم الزراعية الغنية نحو الشرق والغرب ﴿جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ مرّ ﴿وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ الأثل والسدر من الأشجار الصحراوية، والمعنى تحوّلت من أراض ذات إنتاج زراعي خصب ووفير إلى أراض صحراوية لا تكاد تفي بالحاجة.