للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ بعد أن تميّز الحق من الباطل، لا يصحّ أن يكون الإيمان مبنيا على الإجبار والقسر، وإنّما على الحرية والاختيار، لأنّ القهر والإكراه ينافيان التكليف فيبطل معنى الاختبار.

والخطاب استمرار للآية (٢٥٣) إن الاختلاف سببه حرية الخيار التي كرّم بها تعالى خلقه، ونظير ذلك قوله تعالى ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف ١٨/ ٢٩]، وقوله تعالى ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس ١٠/ ٩٩]، وقوله تعالى ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء ٢٦/ ٤]،

﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ﴾ الطاغوت كلّ رأس في الضلال كائنا ما كان، سواء كان معبودا بقهر منه لعابديه، أو بطاعة ممّن عبدوه، والعبادة بمعنى الطاعة المطلقة، وقدّمت الآية الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله تعالى، في إشارة أنّه لا يجتمع الإيمان بالله مع طاعة رؤوس الضلال ﴿فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا اِنْفِصامَ لَها﴾ العروة الوثقى أي التي لا تنقطع، وهي ما يتعلّق به المرء للنجاة، ضربها تعالى مثلا لما يعتصم به المؤمن، وقيل هي الإسلام، ولا تنقطع لقوله تعالى ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال ٨/ ٥٣]، والاستمساك بالعروة الوثقى لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت والإيمان الصحيح وما يترتب عليهما ﴿وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سميع للقول عليم بالنوايا.

﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ (٢٥٧)

٢٥٧ - ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي الذين اختاروا الإيمان، والمؤمن لا ولي له ولا سلطان لأحد عليه إلا الله تعالى ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>