للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين إلى ذاته العليّة باعتبار أنهم خالفوا سننه الكونية في الوصول إلى النتائج عن طريق الأسباب، وباعتبار الغاية الحميدة من ذلك في تربيتهم وتمحيصهم وإعدادهم للنصر الشامل ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ليجعل ذلك محنة لكم واختبارا، وقد قتل يومئذ سبعون من أكابر المسلمين ﴿وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ﴾ بأنّه تعالى لم يهلككم في ذلك اليوم، وأنّه ألقى الرعب في قلوب المشركين فانصرفوا عنهم وعن المدينة وهم في حالة من الارتباك والحيرة بعد أن صارت الغلبة لهم، ولو أرادوا لصارت المدينة في قبضتهم ﴿وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فهو يعاقبهم في الدنيا ببعض ذنوبهم تربية لهم وتمحيصا، ولا يستأصلهم رحمة بهم ولما فيهم من الإيمان، والعبرة من هذه الآية عامة لكل الأزمان والأحوال، أي أنه تعالى يصدق المؤمنين وعده ما لم يتنازعوا ويتخاذلوا ويتهالكوا على الدنيا.

﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ (١٥٣)

١٥٣ - ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ تذهبون نحو أعلى الوادي، وهو من الإصعاد، وقيل تصعدون الجبل ﴿وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ﴾ لا يلتفت بعضكم لبعض من شدة الهرب، وأصله من لوى يلوي عنقه كي يلتفت ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ﴾ عندما تعرّض المسلمون إلى هجوم المشركين من خلفهم، بالإضافة إلى مواجهتهم، لاذوا بالفرار فمنهم من توجّه إلى المدينة، ومنهم من اتّجه إلى الجبل أو أصعد في الوادي، وبقي الرسول وحده ثابتا مع قلّة من صحابته قيل إنّ عددهم أربعة عشر فكان ينادي المنهزمين وهو في مؤخرتهم،

﴿فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ أي جازاكم الله غمّا متّصلا بغمّ، فالغموم يومئذ كانت كثيرة فمنها غمّ المسلمين بسبب فوت النصر الذي أوشك أن يكون لهم، وغمّهم لمّا شاع مقتل النبي ، وغمّهم بمقتل العديد من أصحابهم، وغمّهم بما قد يحدث لعائلاتهم التي خلّفوها وراءهم في المدينة، فقد كان محتملا أن يدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>