٥٠ - ﴿أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ اليهود والمسيحية يريدون حكم الجاهلية، بعد أن تولّوا عن القرآن ولم يقبلوا بحكمه، وليس المقصود الجاهلية بمعناها الضيق التي سبقت الإسلام في الجزيرة العربية، وإنما هي تعبير عن كل مجتمع في أي مكان وأي عصر يبني نظامه على أحكام وضعيّة مخالفة للشريعة، طبقا لما يراه الناس أو الأفراد مناسبا لهم، أو مطابقا للذّاتهم، أو مفيدا لمصالحهم الاقتصادية، ولو على المدى القصير، بغض النظر عن دواعي العقل والأخلاق والدين، وفي الآية أيضا تحذير ضمني للمسلمين في كل العصور من تحويل مجتمعاتهم إلى مجتمعات جاهلية - الآية ٥٤ - ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ الذين لديهم إيمان بالله يوقنون أنّ الشرع الذي أنزله الوحي أفضل لمصالح البشر من الأحكام الوضعية.
٥١ - بعد أن ذكر تعالى أنه أنزل التوراة على بني إسرائيل فلم يعملوا بها، ثم أنزل الإنجيل فلم يعمل به النصارى، فقد أنزل القرآن مهيمنا على كتبهم جميعا، معيارا مبينا الصحيح من الزيف، فيما تبقى منها، ثمّ حذّر المؤمنين أن يفتتنوا بهم، وهنا ينتقل الخطاب إلى النهي الصريح عن التحالف معهم ضد باقي المؤمنين:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ﴾ الكلام عن اليهود والنصارى كمجتمعات ودول، وليس كأفراد، وفيه نهي صريح عن اتخاذ اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء ضد أهل الإسلام، كما هو نهي صريح عن تقليدهم