(البقرة ٢٣/ ٢)، ثم في هذه الآية من سورة يونس طلب منهم معارضة سورة واحدة، من قبل أي إنسان سواء كان متعلما أم لا، وسادسها أنه تحداهم واحدا واحدا، ثم تحداهم جميعا أن يستعينوا بعضهم ببعض في الإتيان بسورة واحدة إن استطاعوا.
وقد لاحظ الشيخ محمد رشيد رضا أن مراتب التحدّي هذه غير مراعى بها الترتيب التاريخي بل ذكر كلّ منها بمناسبة سياق سورته، ومن المعلوم بداهة أنه ما كان لعاقل مثل النبي ﷺ أن يتحداهم مثل هذا التحدي لو لم يكن موقنا أن ليس باستطاعة الإنس والجن الإتيان بمثله، في جملته، ولا بسورة واحدة منه، لا أفرادهم ولا جملتهم، فلو كان هو الذي أنشأه وألّفه، كما زعموا، لكان بإمكانهم ما أمكنه، ولكن عجز غيره ممن كانوا أفصح منه دليل على عجزه هو من باب أولى، فالرسول كغيره من البشر لا يقدر على الإتيان بسورة واحدة من عنده، وأما قولهم أن النبي ﷺ كان أفصح قريش وأبلغهم، فالمعروف بالنقل الثابت أنه قبل نزول الوحي لم يكن النبي ﷺ يذكر في فصحاء قريش ولم يعدّ منهم، وإنما امتاز كلامه بالفصاحة والبلاغة بعد البعثة بما استفاده من وحي القرآن، كما أن كلامه وأسلوبه لا يشبه ما جاء به القرآن، وكلام شخص واحد يلزم أن يكون متشابها كما لا يخفى على أحد، يضاف إلى ذلك أن الإعجاز القرآني غير مقتصر على الفصاحة اللغوية بل يتعداها إلى محتواه وتعاليمه، ثم إنّه تعالى ذكر في الآية التالية السبب الذي من أجله كذّبوا القرآن:
٣٩ - ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ سارعوا إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يفقهوه، وقبل أن يتدبروه ويعلموا معانيه، وقبل أن يطّلعوا على الحقيقة، وقبل أن يدركوا إعجازه، وذلك لفرط نفورهم عمّا يخالف ما اعتادوه من تقليد دين آبائهم وأجدادهم ﴿وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ التأويل هو المآل أو العاقبة، والمعنى