٥٠ - بعد أن ذكرت الآيات الثلاث السابقة حال الكفار الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، وأن الشيطان زين لهم أعمالهم، وذكرت قول المنافقين ومرضى القلوب الذين سخروا من خروج المسلمين للقتال، تبين هذه الآية كيف تكون حال هؤلاء وأمثالهم من المتكالبين على الدنيا عند الوفاة، وما يعرض لهم من العذاب في أول دخولهم بعالم الغيب: ﴿وَلَوْ تَرى﴾ أيها الرسول، أو أيها القارئ، أو السامع ﴿إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ﴾ أي لرأيت أمرا فظيعا، وهو من عالم الغيب الحاصل بأيدي الملائكة الذين يتوفّون الكفار، ولا يقتضي أن يراه الناس الذين يحضرون الوفاة، وقد ذكر الرازي أن روح الكافر إذا خرجت من جسده فهو لكفره لا يشاهد في عالم الآخرة إلاّ الظلمات، ولشدة حبه للدنيا وتمسكه بها لا ينال من مفارقته لها سوى الآلام والحسرات، فهاتان الجهتان هما المراد من قوله: ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ﴾ لأن الكفار يفزعون لما هم مقبلون عليه من عذاب الآخرة، وهم أيضا في أشد الحزن والحسرة على دنياهم التي يفارقونها ﴿وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ﴾ وهو قول الملائكة لهم في الآخرة،
ولا يلزم أن تقتصر الإشارة في هذه الآية على قتلى بدر من كفار قريش، إذ لا يمنع انطباقها على وفاة الكفار في كل وقت، خاصة أن الآيات التالية حتى الآية (٥٥) تشير إليهم.
٥١ - ﴿ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي ذلك العذاب الذي ذقتم، وتذوقون، وكراهتكم لقاء الآخرة، وشدة تعلقكم بالدنيا، سببه ما قدمت أيديكم من المعاصي، أي ما كسبته أيديكم في الدنيا فقدمتموه إلى آخرتكم ﴿وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فلا يظلم أحدا من خلقه، لقوله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾