للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام، والفوران شدة الغليان، وقيل ليس المراد تنورا معيّنا بل الجنس، والمراد فار الماء من التنانير، لقوله تعالى ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً﴾ [القمر ١٢/ ٥٤]، فيكون بدء فوران الماء وتفجير الأرض عيونا من أماكن التنانير أو الينابيع لأن الينبوع من باطن الأرض كالتنور في تجويفه، ولذا فسّروا التنور أيضا بسطح الأرض ﴿قُلْنَا اِحْمِلْ فِيها﴾ في الفلك ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ﴾ من الحيوانات ﴿اِثْنَيْنِ﴾ ذكر وأنثى، وليس بالضرورة أن نوح حمل زوجين من كل أنواع الحيوانات، بل حمل فقط الأليفة منها بما سوف يحتاجه بعد النجاة، فالطوفان لم يكن عامّا لأن المقصود إغراق قوم نوح الذين أصرّوا على الكفر وليس المعمورة بأسرها كما تزعم كتب اليهود ﴿وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ بأنه من المغرقين، استثناهم لكفرهم ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ عطف على الأهل المحمولين في الفلك، وهم قلّة: ﴿وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ أي إن القلّة فقط من قوم نوح آمنوا،

﴿وَقالَ اِرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٤١)

٤١ - ﴿وَقالَ اِرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها﴾ وهو قول نوح عندما أمرهم بركوب السفينة امتثالا لأمره تعالى في الآية السابقة، أمرهم قائلا: اركبوا فيها قائلين باسم الله، أي بقدرته حين تجري وحين ترسو، لا بحولنا وقوّتنا ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لعباده إذ لم يهلكهم جميعا بذنوبهم وتقصيرهم وإنما يغرق المصريّن على الكفر منهم.

﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ اِبْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ اِرْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ﴾ (٤٢)

٤٢ - ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ﴾ لشدة فوران المياه وتفجّرها من وجه الأرض وانهمارها من السماء ﴿وَنادى نُوحٌ اِبْنَهُ﴾ بدافع عاطفة الأبوّة، قبل انقطاع الصلة بين السفينة الجارية وبين البر ﴿وَكانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ لأنه عزل نفسه عن أبيه وعن أهله وعن المؤمنين، والعزلة حقيقة في المكان، ومجازا في العقيدة ﴿يا بُنَيَّ﴾ قالها تحببا إليه ﴿اِرْكَبْ مَعَنا﴾ مع أهلك والمؤمنين ﴿وَلا تَكُنْ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>