﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ (١٣ - ١٤)، وربما يكون ذلك لقرب الأوّلين من البعثة النبوية، أو لكثرة مشاغل الحياة وتعقيداتها لدى الآخرين.
﴿وما يعيش به السابقون من نعيم الآخرة ما لا يمكن وصفه والإحاطة به إلا بالمجاز: ﴿عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ * وَفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ (١٥ - ٢٣)، فهو تمثيل لما غاب عنّا بما نعرف من الدنيا.
ويكون ذلك نتيجة طبيعية لما كانوا عليه في دنياهم من السبق بالخيرات والسمو الروحي: ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (٢٤)
ومنتهى السلام الذي يعيشون فيه أنهم لا يسمعون لغوا من القول ولا سفسطة، فلا يخاطب أحد صاحبه بما لا فائدة منه من الكلام، لأنهم في حالة سامية من العيش الفكري والروحي: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً﴾ (٢٥ - ٢٦)
وهم كثرة في الجيل الماضي الذي عاصر البعثة النبوية ومن بعدهم، وكثرة في الأجيال اللاحقة التي التزمت الإسلام: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ (٤٠)
في مقابل جحيم المجرمين أصحاب الشمال: ﴿وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ (٤١ - ٤٤)