للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله : «يسّروا ولا تعسّروا»، والمقصود ترك التشدد ونفي الحرج في التكليف، والرفق واللطف في الدعوة وفي المعاملة، والتخلق مع الناس بالخلق الحسن، والتسامح وترك الغلظة والفظاظة ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ وهو المعروف الجميل من الأفعال الذي تعارفه الناس من الخير، أي ما يستحسن في العقل فعله ولا تنكره العقول الصحيحة، وهو العرف غير المعارض بالنص، ويختلف باختلاف الشعوب والبلاد والأزمنة ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾ فلا تقابل السفهاء بمثل سفاهتهم، وكن حليما معهم وغضّ ما يسوؤك منهم، وارتباط الآية بما قبلها يفيد أنه يجب معاملة الناس بأسلوب العفو واليسر والإعراض عن الجاهلين، بمن في ذلك المشركين.

﴿وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٢٠٠)

٢٠٠ - ﴿وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ﴾ النزغ تملّك الغضب بالإنسان إذا استفزّه الجاهلون، المشار إليهم آنفا، بما يثير الغيظ والغضب، وفي تلك الحالة ينزغه الشيطان ويحثّه على فعل ما لا ينبغي، والنزغ في الأصل إدخال الإبرة أو طرف العصا أو ما شابه في الجلد، وهو مجاز أطلق على وسوسة الشيطان، حيث شبّه الوسوسة والإغراء بغرز السائق في جلد من يسوقه، كأنه الحث على الجهل والمعاصي ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللهِ﴾ وهو علاج نزغ الشيطان، بأن يلجأ المرء إلى الله تعالى ويستجير به، فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مستحضرا معناها في قلبه، وفي معنى الآية تحذير من الغضب، ولذا كرر النهي عن الغضب كما جاء في الحديث أنه قال لرجل طلب أن يوصيه: "لا تغضب" فردّد مرارا، فقال "لا تغضب" ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الله تعالى يسمع الاستعاذة ويعلم ما في الضمير، وهو دليل على أن الاستعاذة باللسان لا تفيد إلاّ إذا استحضر المرء معناها الحقيقي في القلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>