١٧٦ - ﴿وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ الخطاب وإن كان في الأصل للنبي ﷺ فهو أيضا موجّه لكل مسلم في كل عصر ألاّ يستسلم للحزن من كيد الكافرين للإسلام، وهو استمرار الخطاب من الآية السابقة بعدم الخوف من أولياء الشيطان، ومنهم الذين يسارعون في الكفر ويبشرون به، ووينشطون في الكيد للمسلمين وبث الشكوك عنهم وفيما بينهم، والمعنيّون بذلك زمن البعثة النبوية هم عتاة قريش ممّن قاوموا الإسلام والمسلمين، ثم بعد ذلك هم الصليبيون واليهود والمنافقون ودعاة المادية الذين حاربوا ويحاربون الإسلام على مرّ الأزمان حتى عصرنا هذا سواء بالسلاح أو بترويج الدعايات المغرضة عن المسلمين ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً﴾ لأنهم لن يتمكنوا من إبطال الإسلام وإزالة شريعته بل مصيرهم إلى الاضمحلال ﴿يُرِيدُ اللهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾ بسبب فساد فطرتهم ممّا اقتضى ألاّ يكون لهم نصيب من خيرات الآخرة ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ بسبب إصرارهم على إنكار الحقيقة.
١٧٧ - بعد أن نهى تعالى عن الاستسلام للحزن بسبب كيد الكافرين، يبين تعالى في هذه الآية سبب مسارعة الكفار في الكفر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ﴾ معنى الشراء يقتضي أنّ الكفار المذكورين متهالكون على الدنيا فتكون معارضتهم للإسلام لا علاقة لها بالقناعات الفكرية وإنما لمجرد الخوف على مصالحهم الدنيوية ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً﴾ لأن الإسلام ليس بحاجة لهم، وإنّما البشرية هي التي بحاجة لنور الإسلام وحقيقته ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ باختيارهم المصالح الدنيوية على الآخرة.