للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (٣)

٣ - قال الرازي بعد أن ذكر تعالى في الآية السابقة ثلاثة من صفات المؤمنين:

الخشية، واليقين، والتوكل، وهي من صفات القلوب والبواطن، أتبع في هذه الآية من صفات المؤمنين المتجلية في الأفعال، وهي رأس الطاعات الظاهرة:

الصلاة، والزكاة ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ على تمامها، في صورتها وفي أركانها الظاهرة، وفي معناها وروحها من خشوع القلب وحضور معاني التلاوة ﴿وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ينفقون على وجوه البر بعض ما رزقهم تعالى، من زكاة، وصدقات، وصلة أرحام، وإنفاق على الجهاد، لأن تعبير الإنفاق أعم من تعبير الزكاة، ونظير الآيتين (٢ - ٣) قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة ٣/ ٢].

﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (٤)

٤ - ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ هم المؤمنون إيمانا حقّا، أو هم المؤمنون بالحقيقة ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ بحسب استعدادهم وإيمانهم وأعمالهم، فالله تعالى خلق الناس متفاوتين في الاستعداد والعقول والأعمال والإمكانات، فيكون حسابهم وتكون درجاتهم ومكانتهم عند ربّهم وفق ذلك، ونظيره قوله تعالى:

﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾ [الأنعام ١٦٥/ ٦]، ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ يتجاوز الله عن سيئاتهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في نعيم الجنة.

﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ (٥)

٥ - ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ﴾ أي من المدينة لأنها سكن النبي فهي بيته ﴿بِالْحَقِّ﴾ الخروج لقتال قريش كان موصوفا بالحق، أي لإحقاق الحق ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ هم الفريق الطامع في سلب قافلة أبي سفيان كرهوا الخروج لقتال قريش، وقد رأى المودودي أن هذه الآية نافية لما ورد في قصص السيرة والمغازي من أن النبي وأصحابه خرجوا في الأصل للاستيلاء على قافلة أبي سفيان، مع أنّ الآية في غاية الوضوح أن خروج

<<  <  ج: ص:  >  >>